عبدالعزيز حسن آل زايد
ينتهي البحر غرفه ولا ينتهي الحسين، الحسين قرآن يستلهم منه كل جديد، إننا نتعلم من الحسين ونغرف من ابجدياته كل عام ويمدنا بالمزيد، في كل محرم نتذوق ثمرات مختلفة من بساتينه الوارفة، فهل تنتهي تلك الصور؟!، ما علينا إلا أن نغرف وحسب حينها سندرك أن الحسين عطاء لا ينفد وبحر لا ساحل له ولا قعر .
1- الحسين سحابة حب :
الأسر التي نعيشها – في الأعم الأغلب – تعيش الجفاف بكل فصوله فلا حب ولا شفقه ولا عطف، ولهذا يتربع (الجوع العاطفي) في كثير من الأبناء، فهلا تعلمنا من سحاب الحسين بعض تدفقاته؟!
كلما قرأنا شيئاً عن الحسين شاهدناه سحابة بيضاء تهطل بالعطف والحنان، تغدق بالحب والأمان على كل من حوله، حتى الاعداء نالهم منه نصيب العطف والحب والدموع، العبد الأسود والولد الحبيب كلاهما ينهلان من نمير سحائبه الفياضة، يفتش عن (سكينة) التي اختبأت خلف الخيام ليغدق عليها من ذلك النمير الزاخر، ويهديها بعض لطائفه الشعرية والوجدانية وهو يمسح على رأسها قبل التيتم، فهل سنتعلم من هذا الحب أم سنقرأه مجتزءً؟!
2- الحسين غيث دموع :
يقال : (عندما نسمح لدموعنا بالسقوط .. فنحن ننمو أيضأً)، كثير من الأباء يحبسون دموعهم وآلامهم عن الأسرة ويعدونه ضرباً من العيب، والسؤال : هل يفعل الحسين العيب الذي نتصوره؟!، ألم يبكي أمام الأعداء ويقول : (أبكي على قوم يدخلون النار بسببي)؟!، وفي كسر الخيمة وهو يغتصب نفسه اغتصاباً : (أف لك يا دهر من خليلي...)؟!
الطب النفسي يؤكد على أهمية البكاء وإيجابياته في الأسرة، فهل سنحجب عن أبنائنا شطر الحزن الذي له مذاقه وفوائده، لا يعرف لذة الصبح من لم يتذوق مرارة الظلام، لماذا لا نري أبناءنا أن الحياة تحمل السعادة والحزن معاً، لماذا نخفي الدموع؟! إن الأطفال حينما يشاهدون الدموع في محجر الآباء والأمهات ستختلف المعادلة ويبدأ مفعول الدمعة الصادقة تحفر طريقاً في النفوس، والحسين يؤسس لهذا المنحى فلماذا لا نجرب ونشاهد مفعولها السحري؟!
3- الحسين وصندوق الحريق :
صندوق الحريق قاعدة تهدف إلى إحراق كل ما في جعبتنا من سلبيات تجاه الآخرين، حتى تغدوا الروح خفيفة منطلقة لا يكدرها شيء، أن ننام مطمئنين ملأ الجفون، فالأحقاد أكدار تزكم صفو العيش، وأداة الممحاة تفي بالغرض وتحيل القلوب لريشة رشيقة، فلنزرع في قلوبنا مسامحة الآخرين و(أن نعفو عمن ظلمنا)، أن نسرح كل من حولنا السراح الجميل، كما قال الحسين : (هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا)، والعجيب أن يعتذر للمسيئين قائلاً : (وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم).
4- الحسين وإقالة القاضي :
لكل واحد فينا قاضياً يملي عليه المبادئ والأفكار، ولكن هناك لحظة حاسمة يقال فيها القاضي من منصبه، فنحن من نوليه المنصب ونحن من يقيله ويعزله، فالحسين يغدق العطف على جيش الحر ويرشف خيولهم ويسقي (علي بن طعان المحاربي) بيديه الكريمتين، ولكنه يقيل القاضي - الذي يأمر بالعطف والإحسان - حينما يشاهد (جعجعة الحر) لقلوب الفواطم فيهتف غاضباً مزمجراً : (ثكلتك أمك) !!
كثير ما يقيل الحسين فيها القاضي من منصبه، فالدموع التي يذرفها على الأعداء يعرقلها في لحظة تجاوزهم للحد - برشق الخيام - فيسل السيف ويحصد الجماجم والرؤوس، الحسين يعيش الصبر عن شرب الماء حتى إذا كان (الماء) معيناً له على الجهاد يقيل القاضي وينزل بفرسه النهر، وهذا الشرب سيقال قاضيه - هو الآخر - إذا هتكت النساء .
5- الحسين ومغناطيس المساعدة :
المغناطيس لديه قابلية الجذب، فلماذا لا نجتذب الآخرين؟ البعض ينتابه الحياء لطلب المساعدة والاستنجاد خصوصاً إذا ارتبط الأمر به، لكن الحسين يكنس هذا الخجل ويجاهر بهتاف المناصرة : (أما من ناصر ينصرنا.. أما من مغيث يغيثنا؟)، هذه الهتافات تفتح مجالاً وطرقاً لأناس - لربما - لم نشاهدهم مطلقاً ولكن كانوا ينتظرون الدعوة، وسرعان ما يستجيبون، لهذا شاهدنا في معسكر الحسين جملة من الأصحاب حضروا وشاركوا كعكة الشهادة بعد أن كاتبهم وأرسل الرسول إليهم، فلماذا نأنف من طلب المساعدة؟!
6- الحسين المغامر الفريد :
هل هناك من يتحدى الشلال؟! الحسين مثال صارخ لذلك، كان في الحج وكسر القاعدة بخروجه عن النسيج الأبيض في (يوم التروية)، لم يصبر يوماً واحداً ليحظى بـ (عرفة)، بقى كالسيف شامخاً وحيداً مفرداً يقارع جيشاً بأكمله ولم يرفع راية الاستسلام فهل هناك مغامر مثله؟!، إنه المغامر في الله ولله وفي سبيل الله، لم يكن الحسين ضرباً من التهور، بل هو مغامر القيم والمبادئ وإن كلفه كل ما كلفه، سيبقى المخلص الفريد لساحة القدس والجلال.
ارسال التعليق